الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة رواية “الكافرة” للكاتب العراقي علي بدر: ذاكرة العنف الشرق أوسطي

نشر في  08 جانفي 2016  (10:10)

كمال الرياحي

تجربة أدبية عراقية تكبر وتتراكم في بروكسيل ببلجيكا منشغلة بالتاريخ العراقي القديم والحديث لصيقة بأسئلة راهنه، ذلك هو ملخص التجربة الروائية لعلي بدر الذي وصفته الصحفية الأمريكية ماري وايميل ب”أفضل من يؤرخ في رواياته للتواريخ الهامشية وللقصص المهملة”.

لمسنا ذلك في رواياته "بابا سارتر" و"شتاء العائلة" و"الوليمة العارية" و"ملوك الرمال" و"الطريق الى تل مطران" وغيرها من الروايات التي لاقت ترحيبا عربيا وأجنبيا من خلال عددد من الجوائز والترجمات آخرها ترجمة بابا سارتر إلى الفرنسية عن دار "لو ساي" العريقة.

"الكافرة" هي آخر أعماله الروائية صدرت عن دار المتوسط نقدت طبعتها الأولى في شهر لتظهر الثانية.

فاطمة امرأة من زمن السبي

في لغة شفيفة تختبر الشعري سرديا تسرد الرواية حكاية فاطمة المرأة العراقية التي عاشت الويلات في مناطق نفوذ المتشددين الذين أجبروها على خدمتهم بعد أن فقدت والدها في عملية انتحارية وانطلاق زوجها الفاشل إلى ملاحقة حلم أخير في الحصول على سبعين حورية عبر ما سماه ب "الاستشهاد" لتسقط من جديد في يد المتشددين الذين زوجوها بمقاتل منهم فتحينت الفرصة للهرب، وهربت إلى بروكسيل كما تهرب الممنوعات من الحشيش والسلاح غير أن المهرب لم يكن أفضل من الذكور السابقين ليغتصبها في الطريق.

في المنفى تحاول "فاطمة" التي أصبحت "صوفي" أن تعيد حياتها من جديد غير أن ثقل ذاكرتها الحية بتاريخها المكلوم تدفعها إلى الانتقام من الذكور فتقلب معادلة حلم زوجها الذي قدم حياته قربانا لسبعين حورية تنتظره فتعمل على أسقاط سبعين رجل في حبائلها، إلى أن تسقط في حب أدريان.

المرأة طرس الكتابة بالدم

عبر شخصية صوفي التي تروي لأدريان ذكرياتها يكتب لنا علي بدر أول مقاربة روائية لإمرأة ما بعد السبي أو ما بعد النجاة. وعبر سحب أدارج امرأة سفادور دالي في لوحته الشهيرة يكشف لنا علي بدر كل مرة تاريخا أكثر فظاعة للمرأة المستباحة في الشرق الأوسط ليلمح أن المأساة الحقيقية لمن عذبوا ونكل بهم في الحروب أو تعرضوا إلى الاغتصاب والعنف تبدأ بعد نجاتهم حتى لو كان بحصولهم على حق اللجوء في أعتى أراض الحرية والديمقراطية الغربية. لأن اللاجئ الضحية لا يمكن أن يتخلص من ذاكرته المثخنة بالمحن والكوابيس، وهكذا ظلت صوفي طوال الرواية تؤكد توقد ذاكرتها وقدرتها على تذكر حتى تفاصيل التفاصيل من طفولتها.

ينهض جسد صوفي في الرواية طرس كتابة لسيرة المرأة في مجتمع ذكوري يكشف عن توحشه وعدائيته للجسد الأنثوي ساعة تسقط الأنظمة والقوانين الرادعة فيعود إلى جاهليته الأولى في ثوب التشدد الديني. ولم تكتف فاطمة/ صوفي بسرد قصتها إنما فاضت ذاكرتها بمن عرفت من إناث أخروات فعادة بها تلك الذاكرة إلى صديقة طفولتها التي أجهز عليها أبوها بصخرة بعد أن علم أنها تعرضت للاغتصاب من أبن جارهم.

وتعرج صوفي، وهي تروي لأدريان تاريخ العنف الموجه ضد المرأة، على سيرة أمها وتستعيد صوتها ورجاءها الوحيد لزوجها ألا يوجه لها الضرب على وجهها وكأنها بذلك تستسلم لواقع العنف الذكوري فتهمس”لا تضرب على وجهي” وتردف” البنت نائمة ،لا أريدها أن تسمع” ويصر الزوج المخمور أن تتركه يضربها على جهها في حالة من النزق للعنف والايلام:

"انزلي يديك، عن وجهك"

أنزلت يدها ،ببطء، عن وجهها، ففاجأها، بضربة، لا تلين، على الأسنان.

صرخت: آه، بألم حاد قادم من الأعماق، وبصرخة مكتومة، بينما انفجر الدم من فمها، وسار حنكها على الوسادة. لقد خشيت أن تطلق صرختها، لقد كتمتها. أعادتها؛ لتتكسر، في روحها، في ذاتها."

هكذا يوصف لنا علي بدر عبر صوفي، التي لم تكن إلا ذريعة، الفظاعة الذكورية في أعلى تجلياتها عبر ممارسة حق العنف المادي كما تعتقد، وبهذا يكون علي بدر قد حفر في تاريخ العنف الموجه ضد المرأة وجسدها لا لتبرئة المتشددين بل لكي يقول أن هذا العنف قد تربى قبل وصولهم بقرون ومهدوا له لكي يشتد فظاعة.

رواية العنف أو الاستشراق

رغم الأنف الكافرة رواية إدانة العنف المسلط على المرأة من الطراز الأول وهي بذلك وليمة استشراقية ولا مرد من انتظار كاتبها لتهم كثيرة من قبيل الاكزوتيك، ولكن الرواية من جهة أخرى لا تقول سوى الحقيقة التي لم نعد نسمع بها فقط بل أصبحت الشاشات والتسجيلات على اليوتيوب تقدمها لنا حية إن كان ذلك عبر مراسم الرجم أو السبي في أراضي الانفلات التي سقطت في يد المتطرفين أوفي تلك المناطق التي مازال التعصب المذهبي والعقائدي سيدها، إن كانوا عربا أم أكرادا أو أزيديين فرواية علي بدر لا تدين، حسب رأينا، العرب المسلمين دون غيرهم بل تمتد لتشمل الإدانة كل ظاهرة العنف في الشرق الأوسط.

تبدو هذه الرواية ضرورية في هذه اللحظة من نواحي كثيرة منها الانتباه إلى شخصية الضحية أو اللاجيء الناجي الذي قد يتحول إلى شخصية انتقامية اجرامية يصنعها الارهاب في فضاءات أخرى نتيجة ما لحقها من تشوهات نفسية بسبب ما تعرضت له من مآسي وعذابات محت وجهها الحقيقي الذي علي المنقذ أن يعمل على اعادته للضحية قبل أن يطلقها لمصيرها.

فمغادرة الفضاء الجحيمي لا يعني النجاة لأن الضحية قد تحول بانتكاستها الفضاء الحميمي إلى فضاء جحيمي آخر لتواصل اللعبة. وهذا ما تعكسه شخصية أدريان القادمة من ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، تلك الشخصية التي تشي الرواية في قسمها الأخير بأنه الوجه الذكوري لصوفي فكلاهما ضحية العنف الديني والطائفي الذي ورطهما في عقيدة الانتقام والثأر. ليتسع مفهوم العنف الذكوري اليوم ليكون ذهنية متسلطة على الرجال والنساء على حد سواء.

المصدر: بيت الخيال

https://housefictionrk.wordpress.com/2016/01/07/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D8%AF%D8%B1-%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/#more-977